مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الخليفة الذي عزل قاضيا لظلم يهودي !

الخليفة الذي عزل قاضيا لظلم يهودي !



أما بعد :
 
جاء في جامع معمر 1278 - عن الزهري « أن يهوديا جاء إلى عبد الملك فقال له اليهودي : إن ابن هرمز ظلمني ، فلم يلتفت إليه ، ثم الثانية ، ثم الثالثة ، فلم يلتفت إليه ، فقال : إنا نجد في كتاب الله في التوراة : أن الإمام لا يشرك في ظلم ولا جور (1) حتى يرفع إليه ، فإذا رفع إليه فلم يغير شرك في الجور والظلم ، قال : ففزع لها عبد الملك وأرسل إلى ابن هرمز فنزعه »

ومن طريق معمر رواه عبد الرزاق في المصنف ، وكذا رواه البيهقي في الشعب من هذا الطريق وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق البيهقي

وهذا إسناد صحيح وتأمل ذكر الناس لهذا الأثر واحتفائهم به

وهذا الخليفة هو عبد الملك بن مروان

فإن قيل : أليس هذا الرجل معدوداً في الظلمة وقيل أنه يكفي أن الحجاج من سيئاته ؟

فيقال : بلى هو ولكن هذا لا يعني أنه لم يكن ثمة عدل نهائياً في حقبته ، وهذا ما يغفل عنه كثير من الناس ، فكثيرون يقرأ التاريخ قراءة استشراقية تركز على الأخطاء ، وهناك من يقرأ قراءة متفائلة جداً

والناس فيما بعد الصحابة جاءهم ملوك كثر وكانوا متفاوتين عدلاً وظلماً ، وكان أكثر ظلمهم على خصومهم الذين ينازعونهم في الحكم والإيمان يزيد وينقص والمرء يجتمع فيه الخير والشر

ودائماً إذا ما قارناهم بالراشدين افتضحوا ولكن إذا قارناهم بأهل زماننا ظهرت لهم المزايا العظيمة

ومن يدعو لإبعاد الدين عن السياسة يدفع ضريبة عظيمة ولا أحد يستطيع سدادها وهو ذهاب الوازع الديني والخوف من الله عند أصحاب السلطة المطلقة أو أصحاب القوة

ولهذا تجدهم في القضاء يحلفون الشهود ، ولكن هذا تناقض فهذا استحضار للدين في مقام محاكم قررت استبعاد الدين ، غير أنهم لا يستطيعون الاطمئنان لشهادة الشهود إلا بمثل هذا

وعبد الملك بن مروان له خطبة يذكر فيها عثمان ومعاوية ويزيد الأمويين الذين سبقوه فيذم سياستهم جميعاً ويتلفظ في حقهم بألفاظ فيها ازدراء فهذا الذي حمله وأبناؤه على اتخاذ سياسة البطش المفرط ، وذلك أنهم بحسب تعبير عبد الملك لا يريد أن يكون ضعيفاً كعثمان ولا مداهناً كمعاوية _ كذا قال وهذه جرأة عظيمة _

هذه الطريقة التي فكر بها عبد الملك هي الطريقة التي يفكر بها عامة الناس اليوم وهي أنهم إذا رأوا حاكماً سبقهم فيه شيء مما يرونه خطأ فإنهم يلجأون إلى المعاكسة بالكلية لذلك ولا يلجأون إلى الكتاب والسنة بل يلجأون إلى الرأي

وتجد في التاريخ عامة ظلم الملوك يرفضه العلماء وتحصل لهم الامتحانات بسبب هذا ، وانظر ما حصل لسعيد بن المسيب في زمن عبد الملك واقرأ شيئاً كثيراً من هذا في محن العلماء لأبي العرب القيرواني ، والحاكم إذا كات انتهى أمره والعالم يبقى ذكره

وهناك الكثير الكثير من الملوك والقضاة والأمراء العادلون وكثير من أهل الجور فيهم خير بمراحل عظيمة من عامة أهل زماننا
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي